Sunday, January 25, 2015

القوة الذهنية

كثيراً ما أسمع من الرياضيين الكبار أن القوة الذهنية مهمة جداً. فيقول بعضهم بعد سباقٍ طويلٍ على سبيل المثال أنهم في الجزء الأخير ما كانوا إلاّ مدفوعين بالقوة الذهنية. أو تسمع مقابلة مع لاعب تنس خسر لعبته مقابل لاعبٍ أقل موهبة فيقول أن سبب خسارته هو أنه لم يكن قوياً ذهنياً خلال المنافسة.   

ومنذ أن بدأت إعداد نفسي لجري مسافة ١٠٠ كم وأنا أقرأ عن كيفية التدريب لهذه المسافة فأجد الكثيرين مِن مَن أكملوا مسافة كهذه يقولون أن الإعداد لها جسدياً لا يختلف عن الإعداد لجري مسافة ٥٠ كم بل أن الجزء الثاني من السباق يحتاج إلى قوة ذهنية فقط لا غير.

ولكن ما هي القوة الذهنية؟ القوة الذهنية لها أشكال عديدة ولا تظهر في السباق فقط بل في كل مراحل التحضير والتدريب. 

أحد أشكال القوة الذهنية هي قوة تحمل الألم. الفرق بين الرياضي المحترف والرياضي الهاوي هو ان المحترف تعلم على التغلب على الآلام والأوجاع التي يوحي له جسده بها. فهذه طريقة الجسد لإخبار العقل أنه قَرِب للوصول إلى حدِّه سائلاً العقل على التوقف لحمايته. لكن الرياضي الخبير يعلم أن الجسد يبدأ في إخبار العقل في وقت مبكرٍ مما يعني أنه مازالت للجسد في ذلك الحين كمية كبيرة من الطاقة والقدرات، فتُمَكِّنه خبرته من إستغلال هذه القدرات إلى نسبة أعلى من الرياضي غير الخبير. 

وهذه هي نظرية وجود "حاكم مركزي" في الدماغ يتحكم بالإرهاق الجسدي ليمنعه من إحداث أي ضرر جسدي ومن ضمن ذلك ضرر لعضلة القلب. فيبدأ الحاكم المركزي في وقت مبكر بالحدّ من توظيف الألياف العضلية المطلوبة للإستمرار. كما تقول النظريات ان الذهن يواصل في عمليات حسابية آخذة بيد الإعتبار مقدار الجهد المبذول وكميات السعرات الحرارية المتواجدة للإستخدام، ومُقارِنة له بخبراتٍ ماضية لتصل إلى نتيجة تقول للجسد أنه سيرهق في وقت معينٍ ما. ثم يتحكم الذهن بالجسد ويبدأ بوضع حدودٍ للجهد المبذول ليُبطئ بذلك العداء أو يحد من سرعة الدراج.

و تدعم هذه النظرية تجارب أجريت مثل إعطاء الرياضي غذاء يحتوي على الكربوهيدرات كالسكّر في مراحل متأخرة من التمرين أو السباق دون غذاء، ليتمضمضه فقط دون أن يبلعه. فينتشط الرياضي وترتفع قدرته على بذل الجهد مع أنه لم يحصل على أي سعرة حرارية واحدة. ويُفسّر ذلك بأن العقل قد انخدع وظن أن الجسد يحصل على سعرات حرارية تُمَكِّنه من الإستمرار ببذل الجهد فيخفف العقل مدى الحدود التى وضعها على كمية الجهد التي يمكن للجسد بذلها.   

وهكذا فإن التمرين المتواصل يمكن الرياضي من رفع حدود ما بإمكانه تحمله من الآلام وتعريف الذهن على قدرات الجسم الحقيقية. بعض رياضيي الترياثلون يدفعون أنفسهم خلال تمرين السباحة إلى درجة يضطرون فيها على التقيء ثم يصفون حصة التدريب تلك بأنها كانت جيدة. ولا يخلو أي كتاب قرأته عن عدائي المسافات الخارقة من قصص إكمال سباقٍ ما رغم كسر أصبع أو التواء كاحلٍ أو ركبة. هؤلاء تمكنوا من التغلب على رسالات العقل إلى الجسد سائلة له بالتوقف.   

ماهي طريقة رفع حدود التألم والتوجّع؟ الطريقة هي تقليل الحساسية للأوجاع بشكل منظم خطوة بعد الأخرى. من لايستحمل الإستحمام أو الدُشً البارد، يستطيع أن يبدأ بمدة ثانية واحدة ثم ثانيتين وثلاث ثوانٍ إلى أن ترتفع قدرته إلى دُش كامل تحت الماء البارد. وعندما تجري لمدة ٥ دقائق في تمرين مرحلي (interval training) إلى درجة الإرهاق ثم تعيد ذلك بعد فترة راحة مرة تلو الأخرى ستجد نفسك قادراً على زيادة عدد مرات الإعادة كل اسبوع او رفع سرعتك التي توصلك إلى الشعور بنفس درجة الإرهاق. ومن الأفضل ان تتبع هذه الخطوات خطة موضوعة وان لا تكون عشوائية.  

وبهذا فماذا ستفعل اليوم لدفع عتبة توجعك إلى الأعلى؟


شاركونا بأحلى القصص لديكم عن مواقف موجعة حصلت لكم وكيف استطعتم أو لم تستطيعون تحملها.

No comments:

Post a Comment