Wednesday, December 23, 2020

DNF - Did Not Finish - لم يكمل السباق

محبّو الترياثلون وخاصة مسافة الآيرونمان قد رأوا بالأغلب تلك الصور للّاعبة جولي موس في أوائل الثمانينات فاقدة قدرة التحكم على جسدها وزاحفة بآخر ما بها من طاقة إلى خط النهاية لتحصل على المركز الثاني. و انعادت تلك الصور الشهيرة في التسعينات حيث تنافست ويندي إنغرام و شان ولش على المركزين الثالث والرابع زاحفتان على أيديهن و أرجلهن إلى خط النهاية. ثم نقرأ عن عدّاء المسافات الطويلة سكوت جورك الشهير الذي أنهى سباقات، بل فاز بها رغم إصابات في الرجل تجعلك تستغرب كيف استطاع الاستمرار حتى لخطوة واحدة. في عام ٢٠٠٥ شارك سكوت جورك في واحدٍ من أكثر سباقات الجري قسوة وهو سباق وادي الموت في أريزونا. بعد ٧٠ من إجمالي ١٣٥ ميل في وسط الصحراء و تحت شمس منتصف شهر يوليو الحارقة، أصيب سكوت بالرجفة و التقيّؤ و انهار إلى جانب الطريق فلم يحرك ساكناً لمدة ١٠ دقائق. ثم قام ليكمل السباق و يحطم رقمه القياسي السابق. هذه هي القصص البطولية التي تُحكى فتشهد لقوة الإرادة و العزيمة لدى ممارسي رياضات التحمل. و بالفعل فإن هؤلاء الرياضيين من أقسى ما عرفته الرياضة، جسدياً و ذهنياً. فكيف إذاً نتعامل مع DNF (Did Not Finish) أي عدم إنهاء سباقٍ ما؟

لأول مرة في حياتي الرياضية فإنني فشلت في إنهاء سباق. كانت هذه هي مشاركتي الثانية في سباق حتحور ١٠٠ حيث كنت قد أكملت سباق المائة كيلومتر في سيناء في العام الماضي (إقرؤا تقرير السباق الذي كتبته في ذلك الوقت). إختلف السباق قليلاً هذا العام حيث طالت مسافة اليوم الأول بمقدار ٥ كيلومتر لتصل ال ٤٠ كيلومتر بينما قصر اليوم الثاني بنفس المقدار ليكون ٦٠ كيلومتر "فقط". كما تغيرت مسارات اليومين فكان اليوم الأول قاسٍ جداً. و مع ذلك فقد انهيت اليوم الأول بشعورٍ أحسن بكثير من شعوري بعد أول يوم في العام الماضي

كنت أتوقع اليوم الثاني أن يكون طويلاً ولكن سهلاً نسبياً إلّا أول ١٠ كيلومتر التي كانت في رمال عميقة. لا أذكر نقطة التموين الأولى (هناك نقطة كل ١٠ كم) ولكن في منتصف المسافة إلى النقطة الثانية بدأت أشعر بمغص في معدتي و إحساسٌ بالحاجة إلى التقيّؤ و قضاء الحاجة. أخذ هذا الشعور بالإزدياد إلى درجة أنني توقفت عن الشرب والأكل و راودتني فكرة التوقف عن السباق لأول مرة. لم آكل أو أشرب أي شيء في نقطة التموين الثانية واكتفيت بتدليك للعضلات من المتخصصين من مجموعة "فيزيك" الذين يمهرون صنعتهم بامتياز. كنت أعلم أنه سيصعب علي إكمال المسافة الباقية و لكنني قررت أن أحاول. حملت موزة في يدي و خرجت من النقطة. رافقني الجمل و راكبه البدوي ليؤكدا لي أنني خاتم المتسابقين و رأيت كل من كانوا في أقصى الخلف في اليوم الأول يجرون أو يمشون في البعد أمامي . بعد عدة مئات من الأمتار قشرت الموزة وأكلتها. و ما أن فعلت ذلك اضطررت مباشرة إلى التوقف و البحث عن أنسب مكان خلف صخرة و زرعة لقضاء حاجتي. راكب الجمل توقف قليلاً إلى أن أدرك ما أفعله فتركني ليتبع المتسابقين الآخرين. بذلت جهداً فلحقت بالآخرين فما كنت أجري قليلاً معهم وأسبق بعضهم إلّا لأتوقف مرة أخرى في أي مكان أستطيع فيه الإختباء عن الأنظار قليلاً لإستخدام المرحاض الصحراوي الواسع. آخذاً هذا الحال بعين الإعتبار إضافة إلى أنني استمريت غير قادرٍ على ابتلاع أي شيء صلبٍ كان أم سائل، أتخذت القرار بأن أتوقف عن السباق عند النقطة الثالثة. وصلت إلى النقطة لأجد ثلاثة من المتسابقين يتموّنون ويستعدون للخروج فرميت نفسي على ظهري و طلبت أن تأخذني سيارة إلى المخيم. كنت أحاول إقناع نفسي وأنا راقدٌ على ظهري أن هذا هو القرار الوحيد الصحيح وأن حبي لهذه الرياضة ينبت أيضاً من فائدتها الصحية فلا حاجة للمجازفة بصحتي على المدى الطويل من أجل تفادي الشعور المؤقت بالفشل. آخر من غادر النقطة الثالثة من المتسابقين كان الأستاذ محسن الذي انحنى إلَيَّ وهو خارج ليقول لي: "إنك تتخذ القرار الصائب". 

المبادرة على سباق تحمل طويل تتطلب الجرأة و أن تدفع نفسك معنوياً وجسمانياً لتعدّي الأوقات الصعبة و مواجهة المواقف العصيبة. عدم إكمال سباق يلعب في عقلك ليقنعك بأنك فشلت. إتخاذ القرار بإنهاء سباقك يتطلب جرأة مماثلة و قدرة على التفكير الموضوعي و الواقعي رغم الإرهاق لتفرق ما بين إن كنت تمر في فترة شكٍّ قصيرة و عابرة أم أنك تعرّض صحتك للخطر. بعد مرور أكثر من أسبوع على السباق فأنا أشعر بالإمتنان على هذه الخبرة الجديدة التي تعلمت منها الكثير

وقبل أن أنسى ذكر هذا: العداء البطل سكوت جورك لم يكمل بعضاً من سباقاته أيضاً