Tuesday, August 13, 2019

آيرونمان هامبورغ Ironman Hamburg - July 28th, 2019

لم أتكلم كثيراً من قبل عن سباق آيرونمان هامبورغ الذي كنت قد سجّلت نفسي به وذلك لعدم ثقتي بقدرتي على المشاركة أو إكمال السباق.  فلقد كنت قد كسرت إصبعي الصغير في يدي اليسرى أقل من ٥ أسابيع قبل السباق، كما أُصبت بمرضٍ  في معدتي و إسهال في سفرتي إلى الهند ٨ أيام قبل يوم السباق وأستمر الإسهال حتى ٣ أيام قبل السباق. أقاربي نصحوني بأن لا أشارك بينما شجعني المعارف على المشاركة دون علم عن حالتي الحقيقية. لذلك قررت أن أكمل التحضيرات وكأنني سأشارك وأن أقرر قبل السباق بيومين أو حتى يوم واحد إن كانت حالتي ستسمح لي بالمشاركة. وفي النهاية شاركت وأكملت السباق.
كانت هذه ثاني مرة فقط أُكمِل فيها مسافة الآيرونمان الكاملة (١٫٥ / ١٨٠ / ٤٢) حيث كانت المرة الأولى يوم عيد ميلادي الخمسين قبل سبعة سنين بالظبط لتكون هذه المرة في يوم عيد ميلادي السابع والخمسين. 
رافقتني زوجتي في السفر من هانوفر إلى هامبورغ في الصباح الباكر قبل موعد السباق بيوم وذهبنا لإستلام حزمة السباق. بعد ذلك دخلت بحيرة السباحة في البدلة المطاطية لأُحضِّر نفسي لجوّ السباق وأتعرف على درجة حرارة الماء فأستعد بذلك معنوياً للسباق. خرجت بعد لفتين قصيرتين استغرقتا ١٨ دقيقة مع شعورٍ بالإرتياح وإحساسٍ  بأن السباحة لن تكون بمشكلة. كانت السباحة في الماضي هي جزء السباق الذي يخيفني أكثر شيء ولكنها أصبحت أريح مرحلة، لا أبذل خلالها مجهوداً كبيراً ولا أحاول أن أكسب أي وقتٍ بل ما هي إلا مجرد إحماءٍ جسدي ومعنوي قبل أن يبدأ السباق مع مرحلة الدراجة. ويختلف هذا بالكامل عمّا كان الوضع عليه قبل سبعة سنين حيث أذكر أنني خرجت من الماء فرحاً وكأنني قد أكملت السباق بأكمله. بعد تمرين السباحة القصير ذهبت لتسليم الدراجة في منطقة التغيير المخصصة وترك أكياس ملابس الدراجة والجري، كلٍّ في مكانه المخصص.





منطقة التغيير في هامبورغ من أطول مناطق التغيير التي رأيتها في أي سباق ويبلغ طولها عدة مئات من الأمتار مشيتها عشرات المرات ذهاباً وإياباً ما بين دراجتي من جانبٍ وأماكن تعليق الأكياس من جانبٍ آخر أتأكد مرة تلو الأخرى من أنني وضعت كل ما أحتاجه من ملابس في الكيس الملائم ولم أنسى شيئاً. 
ذهبت مع زوجتي بعد ذلك إلى مطعم إيطالي لتناول وجبة باستا غنية بالكاربوهيدرات ومن ثم إلى الفندق. في غرفة الفندق أكملت التحضير بالتفكير بكل صغيرة وكبيرة مما سألبسه في الصباح وما سأعطيه لزوجتي لتحمله وما سأحمله بنفسي من غذاءٍ خلال السباق (جيل الطاقة) وما سأضعه على الدراجة. في آخر سباق نصف آيرونمان في البحرين في شهر ديسمبر ٢٠١٨ فقدت طاقتي بالكامل في مرحلة الجري بسبب أخطاء ارتكبتها في التغذية قبل وخلال السباق. ولذلك فإنها ليست بالمبالغة أن يقال أن التغذية هي الجزء الرابع من رياضة الثلاثي الحديث. ولذلك أيضاً فأنني نويت على عدم إعادة خطئي فبدأت بالإستعداد قبل أيامٍ بتناول حبة فيتامينات و٢٥٠-٥٠٠ مغ من المغنيسيوم كل يوم. كما شربت يومياً ٥٠٠ مل من عصير الشمندر (بنجر أحمر) لعدة أيام وهو معروف بتوسيعه للشرايين وتحسين تزويد الخلايا بالأكسجين. وفوق ذلك كله حرصت على تناول حبة حديد كل يومين للتأكد فقط من عدم وجود أي نقص.
في الصباح ذهبنا إلى موقع السباق ودخلت منطقة التغيير فوجدت عجل الدراجة الخلفي خالٍ من الهواء فنفخته ولم يكن لدي وقت لتغيير أو تصليح أي شيئ. توقعت أنني سأضطر لتصليح العجل بعد الخروج من الماء فاستسلمت للأمر الواقع وقلت لنفسي أنني سأعتبر ذلك وقت استراحة قبل بدء مرحلة الدراجة. وذهبت إلى نقطة بداية السباحة وارتديت البدلة المطاطية. قبل الإنطلاق وصلت ابنتي قادمة بسيارتها من مكان سكنها الذي يبعد عدة ساعات لتنضم إلى زوجتي في تشجيعي.
السباحة:
إنطلق المتسابقون على موجات بِدأً بالمحترفين. ودخلت الماء مع من قدّروا وقتهم ليكون ما بين الساعة والربع والساعة والنصف. سبحت بكل راحة محاولاً ان اسبح في ظل سبّاحٍ آخر قدر الإمكان لأوفر أكبر قدرٍ من الطاقة، فكلما أضعت سباحاً حاولت أن أجد آخراً لأتبعه. بالإختلاف عمّا أعتدت عليه في الماضي لم أتنفس إلى الجهتين، أي كل ثالث مرة، إنما تنفست إلى ناحية واحدة، غالباً إلى اليمين، مما سهّل الأمر أكثر. كانت مرحلة السباحة مثالية إلّا من إعاقات بعض السباحين الذين يتوقفون فجأة أمامك أو يغيرون نمطهم إلى سباحة الصدر فيحتاجون إلى مسارٍ أوسع أو يعبرون أمامك من يمين إلى اليسار أو العكس. وأحد هؤلاء ضربني بيده فأطار النظارة من رأسي مما اضطرني على التوقف وإعادة لبسها. كل هذه الأمور يجب توقعها و أفضل ما يمكنك فعله هو إلتزام الهدوء (بعد الصياح على الآخر للحظة) والعودة إلى الإيقاع السابق ونسيان ما حصل بسرعة. خرجت من الماء مرتاحاً جداً بوقتٍ أسرع من المرة السابقة، ومشيت بهدوءٍ إلى منطقة التبديل. لا حاجة للجري عندما يكون أمامك نصف يوم من المجهود الجسماني إلّا ان كنت تنوي الفوز بشيء ما.
الدراجة:
وصلت إلى كيس ملابس الدراجة وجلست في خيمة التغيير لأخلع البدلة المطاطية وألبس الخوذة وأضع الرقم حول خصري ثم مشيت إلى دراجتي فوجدت العجل الخلفي ما زال منفوخاً فدفعت دراجتي إلى خارج منطقة التغيير وركبتها. عادة ما ألبس حذاء الدراجة قبل دفعها الى الخارج و ركوبها، ولكن هذه المرة نظراً لطول منطقة التغيير، لم أريد أن أركض بحذاء الدراجة لمسافة طويلة فتركت حذائي على الدواسات كالمحترفين. ولكن ما ان امتطيت الدراجة أدركت أنني بعيدٌ جداً عن كوني محترف حيث أنني ارتكبت خطأ مبتدإٍ بعدم تجهيز رباط الحذاء ليكون مفتوحاً. بعد دقائق قليلة أكملت لبس حذائي قائداً الدراجة وأخذت الوضع الإنسيابي.
خطتي كانت أن لا أغتر بشعوري بالقوة في البداية فمشيت بسرعة مريحة جداً. ليس من المهم إكمال مرحلة الدراجة بسرعة إن كان ذلك سيؤثر سلبياً على مرحلة الجري. هذا ما كان قد حصل لي في أول سباق آيرونمان حيث أضطريت أن أمشي للعشرين كيلومتر الأخيرة في مرحلة الجري لأن عضلات أرجلي كانت على وشك التشنج. بعد ساعاتٍ من الركوب المريح أحسست أن سرعتي تزداد بطئاً والجلوس على المقعد يوجعني بشكلٍ غير عادي. المسار كان فيه عدة أماكن يتحول فيها الشارع من طريق معبد (مزفت) إلى طريق أحجار. شعرت في هذه الأماكن أن عجلي الخلفي شبه خالٍ من الهواء ولم يكن باستطاعتي رؤية العجل دون التوقف. لا أعلم لماذا ولكن لم يخطر على بالي أن أتوقف وأنفخ العجل أو أصلحه بل استمريت إلى النهاية فخسرت الكثير من الوقت. أنهيت مرحلة الدراجة بأكثر من سبعة ساعات ونصف، وذلك أكثر من سباقي السابق بخمسة وأربعين دقيقة. ومما يجدر ذكره أيضاً هو أنني حرصت على شرب السوائل المعدنية والكولا و تناول جيل الطاقة باستمرارٍ خلال مرحلة الدراجة فلم أترك جسدي ينفذ من الطاقة في أي وقت من الأوقات. 
أخرجت قدمي من حذاء الدراجة قبل النزول من الدراجة ثم نزلت وجريت لأضع دراجتي في مكانها ومن هناك إلى مكان الأكياس.
الجري:
أخذت كيس الجري ودخلت خيمة التغيير. كنت قد قررت هذه المرة أن أغير لباسي لأرتدي شورت وقميص جري بدلاً من البقاء في بدلة الترياثلون. وهذا ما فعلته. كما أخذت حزام المشروب وفيه أربعة عبوات من عصير الشمندر كل منها يقارب ٣٠٠ مل كما حملت فيه حبوب مغنيسيوم وجيل طاقة لكي لا أكون معتمداً كلياً على طاولات التموين ولو كانوا متواجدين كل بضعة كيلومترات. التغيير إلى ملابس جديدة ونظيفة ومريحة له تأثير جانبي أيضاً وهو تأثير نفساني حيث تشعر بالإنتعاش وكأنك تبدأ تمريناً جديداً. وبهذا فإن الدقيقة أو الإثنتين المستثمرتين لَيْسَتا مضاعتين بل مردودهما أكبر حسب إحساسي، وذلك في السباقات الطويلة فقط بالطبع.
أذكر من سباقي قبل ٧ سنوات أن شعوري كان جيداً في البداية مما جعلني أجري بسرعة عالية وكأنني لم أسبح أو أركب الدراجة قبل الجري ثم اضطريت أن أمشي آخر ساعات كما ذكرت من قبل. ولذلك نويت أن أتماسك نفسي من البداية هذه المرة فأجري بسرعة أظن أنني سأستطيع الحفاظ عليها لمدى مرحلة الجري بالكامل. لم يكن هذا الحال إلى النهاية حيث أبطأت في النهاية ولكنني أستطعت أن أكمل المرحلة بحالة أفضل بكثير من المرة الماضية، أي أسرع بثلاثين دقيقة. بالإضافة إلى إختيار السرعة المناسبة وإتّباعها من البداية فإن ما ساعدني هو شرب عبوة عصير شمندر كل ساعة تقريباً وتناول جيل الطاقة كل ٢٠-٣٠ دقيقة وشرب ماء أو كولا أو  مشروب الأملاح وأكل البسكوت المالح فاستغليت موائد التموين استغلالاً جيداً.
وأخيراً، وصلت إلى خط النهاية وعضلاتي متعبة دون أن أكون مرهقاً. عانقت زوجتي وابنتي اللاتي انتظرتاني قبل خط النهاية ورفعت قبضتَيني عالياً وأكملت آخر الأمتار بإحساس جميلٍ وإيقانٍ بأن المواظبة على التمرين خلال السنوات السبعة ما بين سباقي مسافة الآيرونمان الكاملة لم تجعلني أحافظ على قدرتي الجسدية فحسب بل جعلتني بالفعل أقوى بعمر السبعة والخمسين مما كنت عليه في عمر الخمسين. كل ما أعاقني هو مشاكل الدراجة التقنية وإلا لكان وقتي سيثبت تحسن لياقتي. لا بد أن أثبت ذلك في سباق قريب، ربما في السنة القادمة؟