Sunday, December 9, 2018

البحرين 2.0 - الجزء 2/2

أنا الآن على متن طائرة العودة من البحرين بعد ان اكملت سباق الآيرونمان ٧٠٬٣ والحمدلله. ازداد فهمي لمعنى كون رياضة الترياثلون رياضة "تحمل" فلقد تحملت الجري منذ بدايته وأنا أُفكِّر مع كل خطوة بالتوقف. ولكن دعوني أبدأ من البداية.
بعدما حطت الطائرة في مطار المنامة أخذت سيارة أجرة وذهبت إلى فندق كراون بلازا. من هناك مشيت إلى الأفنيوز وهو مكان السباق الذي يبعد عن فندقي ربع ساعة على الأقدام لتلقّي تعليمات السباق وتناول عشاءٍ ممتازٍ لا أظن أن يجده الرياضييون في أي سباق آيرونمان آخر. إلتقيت هناك مع العماني علي التميمي الذي كنت قد تعرفت عليه قبل أعوام في زيارة لعُمان مع لورنس فانوس كتبت عنها في تدوينة سابقة. كما رأيته آخر مرة قبل عامين في البحرين عند مشاركتي الأولى في السباق. تكلمنا عن سباق الآيرونمان الجديد الذي يتم تنظيمه حالياً ولأول مرة في عُمان في شهر مارس المقبل. وبالتأكيد فسيكون سباقاً جيداً لا بد من التفكير بالمشاركة به. ثم التقيت بعبدالله عطية الرياضي البحريني الشاب الذي تلقى تدريبات في كلية ساندهرست العسكرية في انجلترا وقال أنه سيشارك كعضوٍ في فريق تتابع ليُكمل جزئي السباحة والدراجة.
بعد ليلة قصيرةٍ ذهبت في صباح يوم الجمعة إلى مكان السباق لأتعرف على مسار السباحة وأُجربه بالكامل على بطءٍ. وبعد أن لبست البدلة المطاطية دخلت إلى الماء الذي كانت درجة حرارته واحدة وعشرين درجة مئوية. ما كدت أن أكمل خمسة دقائق من السباحة إلا وكان هناك قارب منع السباحين من الذهاب إلى آخر اللفة فأكملت لفة قصيرة فقط طولها 850 م تقريباً في ربع ساعة وخرجت من الماء.

عندما انتهيت من التغيير وجدت رياضياً مألوف الوجه يشبه البطل العالمي كريستيان بلومنفيلد الفائز بالبطولة في العام الماضي واقفاً لوحده. وبسبب عدم وجود أشخاص حوله ظننت أنه شبيه له فقط ولكنني قرأت على خلف بدلته الرياضية الأحرف KB فسألته: هل أنت كرستيان بلومنفيلد؟ قال: نعم. أخذت صورة معه. وسألني أن كنت جاهزاً للسباق، قلت له أن الأكثر أهمية هو إن كان هو جاهزاً. لا اتذكر إجابته إن كان قد أجاب بالفعل ولكنه أثبت في اليوم التالي تمام استعداده حيث فاز بالبطولة للمرة الثانية على التوالي وبزمنٍ خيالي كسر به الرقم القياسي السابق.

أشتريت عدة أشياء احتاجها وخاصة أداة شدّ براغي الدراجة التي كانت قد أُخِذَت مني في مطار القاهرة باعتبارها آلة حادة. أكملت تركيب الدراجة ورجعت إلى الفندق لأُحضِر باقي أغراضي وترك الدراجة وأكياس ملابس الدراجة وملابس الجري، كل في مكانه الخاص.

كنت قد علمت قبل المجيء إلى البحرين بأيامٍ أن عاصم شهابي، صديقاً وزميلاً سابقاً في الشركة، أصبح يعيش في البحرين مع زوجته ندى ويعمل في السعودية. دعاني إلى الغداء في منزله مع ضيوف آخرين فأكلنا الملفوف واليبرق اللذيذين وقضينا وقتاً ممتعاً نتكلم فيه عن الماضي حيث اشتغلنا مع البعض في كندا وفي هنغاريا لعدة أعوامٍ وقضت عائلاتنا أوقاتاً ممتعة مع البعض خلال هذه السنين.
أخيراً أتى يوم السباق. صحيت في الساعة الرابعة والنصف صباحاً. شربت كوب شوكلاتة ساخنة في غرفة الفندق وأكلت موزة واحدة. هذا كان كل ما فطرته بالإضافة إلى موزة أخرى أكلتها قبل السباق بساعة. ذهبت إلى حيث تركت دراجتي لأفحصها وبدا كل شيئ على ما يرام. تفحصت أكياس الملابس مرة أخرى وتخيلت نفسي في مراحل مختلفة من السباق وخاصة في مرحلتي التغيير الأولى والثانية لأتأكد أنني لم أنسى شيئاً. أذكر أنني أحسست بالعطش ولم يكن لدي ماء. كما بدأت بالتفكير بأنني لم اتناول طعاماً كافٍ وليس لدي إلا 500 ملم من الماء احملهم على الدراجة كنت قد وضعت فيهم أربعة أكياس سكر صغيرة أخذتهم من الفندق. لا أعلم لماذا لم آخذ تموينٍ أكثر من ذلك.
لبست البدلة المطاطية ووقفت عند منطقة بداية السباحة مع أكثر من ألف آخرين، كُلٌ أوقف نفسه مع المجموعة الملائمة حسب تقديرهم لزمن سباحتهم. وقفت بين مجموعتي ال 35 وال 40 دقيقة فقد كنت قد احتجت إلى 38 دقيقة في المرة السابقة. إنطلق الرجال المحترفون ثم النساء المحترفات بعدهم بثلاثة دقائق. ثم بدأ رياضييو الفئات العمرية بالإنطلاق دفعة تلو الأخرى.
حرصت بأن لا أبذل مجهوداً قوياً كي لا أُتعب نفسي من البداية وأحسست بأنني أتقدم بارتياح. عادة ما أحس بالقلق قبل و خلال السباحة ولكن ذلك الإحساس كان ضعيفاً جداً هذه المرة بفضل التدريب مع محمد مرعي كما ذكرت في الجزء الأول. ضربني سباحٌ ضربة خفيفة على رأسي خلال السباحة، وأضطررت أن أبعد عن سباح آخر لكي لا يرفسني برجله بعد أن تحول إلى سباحة صدر أمامي. كما فقدت طاقيتي بعد ما يقارب كيلومتر ولكني وصلت شبه مرتاحٍ وسررت عندما رأيت على ساعتي أنني أنهيت هذا الجزء بخمسة وثلاثين دقيقة، أي أسرع من المرة الماضية بثلاثة دقائق
مسار الدراجة كان خالٍ من حوادث جديرة بالذكر. الرياح كانت تدفعنا في النصف الأول. ثم دخلنا حلبة الفورميولا وان ذات المنعطفات الحادة قليلاً. وكانت الرياح بوجهنا في طريق العودة فأصبحت بطيئاً كما بدأت أشعر بتعب عضلاتي. عند طاولة تموين بعد ما يقارب خمسين كيلومتر أخذت ربع موزة وعبوة جيل طاقة. وبدأت أندم على عدم الأكل بشكل كافٍ قبل وخلال السباق وكنت قد شعرت أنني أرتكبت خطأً فادحاً. كما بدأت أندم على عدم التمرين على مسافاتٍ طويلةٍ بتاتا. في آخر جزء الدراجة أحسست بأن العضلات كادت تتقلص فأكملت آخر كيلومترات بطيئاً وقررت أن أمشي في بداية مرحلة الجري إلى أن ترتاح عضلاتي. وقت الدراجة كان لا بأس به. ساعتان وسبعة وخمسين دقيقة
لم تتشافى عضلات الفخذين. حاولت الركض بين كل حين وآخر ولكني كنت أشعر أنني أجازف بتقلص العضلات إن مضيت جرياً فأعود إلى المشي السريع. لي خبرة سابقة بهذا الشعور بالظبط، ولكن ذلك كان في سباق الآيرونمان الكامل قبل سته سنوات وبعد ان كنت قد أكملت ضعف المسافة على الدراجة وجريت نصف مراثون. هذا الشعور محبط. مسار الجري مكون من ثلاثة لفات طول كل منها سبعة كيلومترات. في أي وقت من الأوقات تسطيع أن توقف السباق دون إكماله وتلعب هذه الفكرة كثيراً في ذهنك. سببان دعاني إلى إكمال السباق مشياً. أولاً، فأنا دائماً أقول أن أول أهدافي هو إكمال سباقاتي فقط وإن الكل بإستطاعته فعل ذلك حيث أن الأمر هو مسألة سرعة فقط. والسبب الثاني والأقوى كان وصول عاصم وندى لتشجيعي فكيف أخذلهما؟
خلال مرحلة الجري (المشي) رأيت الأمير سعود الفيصل الذي كنت قد قابلته في نفس السباق قبل عامين ثم ذهبت لرؤيته بعد ذلك في سباق سيارات في نوربورغ رينغ في ألمانيا. تبادلنا بعض كلمات التشجيع كلما رأينا البعض في اللفات الثلاثة ولم تسنح الفرصة للأسف للتحدث بعد السباق. 
أتممت السباق وحصلت على الميدالية وتعلمت دروساً جيدة ستساعدني في سباقي القادم الذي سيكون سباق آيرونمان كامل في هامبورغ بألمانيا. سأكون مستعداً وربما سأخبركم قريباً عما سأفعله لأكون مستعداً. هل يحب أحدكم مشاركتي في سباق هامبورغ؟


No comments:

Post a Comment